«علام»: بناء الوعي ومواجهة الشائعات من أهم قضايا مستجدات الواقع
كتب- أحمد عبد العليم
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: “إن قضية بناء الوعي ومواجهة الشائعات تُعَدُّ من أهم وأخطر القضايا التي تفرضها علينا مستجدات الواقع، ومجريات الأحداث، وما يدور حولنا من أحداث جسام متتالية، موضحًا أنها قضية تتعلق بالوعي وبمحاولة اختراق وتغييب هذا الوعي وبالعمل الدؤوب من قِبل جهات وجماعات مُغرضة متطرفة تعمل ليلَ نهار من أجل تغييب وعي المواطن وجعله آلة تستقبل بلا تفكير ولا تأمُّل ولا رَوِيَّة ما يُلقى لها من شائعات وأفكار.
وأضاف فضيلته في كلمته التي ألقاها بندوة “جيل ضد الشائعات” التي عقدتها كلية الدراسات الإسلامية بدمنهور أن علماء الشريعة عامة وعلماء الإفتاء بصفة خاصة، وكذلك علماء القانون كلهم معنيون بمتابعة المستجدات التي تدور في الواقع، ومسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى عن وضع الحلول الناجعة لكافة مشكلات وقضايا العصر المتأزمة، وهم جميعًا بفضل الله تعالى على قَدْر تلك المسؤولية، ولديهم الاستعداد الكامل والتكوين الدقيق والعقلية الواعية التي تسهم بشكل فعَّال في مواجهة كافة التحديات والصعوبات التي تواجه الوطن من قِبل مروجي الشائعات وصانعي الأكاذيب.
وأكَّد فضيلة المفتي أنَّ صانعي حروب الجيل الرابع يستغلون ثورة الاتصالات والمعلومات والتقدم التقني الهائل من أجل تزييف الوعي وزعزعة الأمن العام بترويج الشائعات ونشر الأكاذيب بطريقة احترافية قد يغفل عنها كثير من الناس إن لم نقم بواجبنا نحوهم بتوعيتهم وتعليمهم المنهجية الصحيحة التي وضعها الإسلام في هذا الشأن.
وأكد مفتي الجمهورية أن ديننا الحنيف قد وضع -ممثلًا في كتاب الله وفي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- منهجًا واضحًا دقيقًا لتكوين العقلية الصحيحة الواعية التي لا تتقبَّل كل ما يُلقى إليها ويشاع على ألسنة المغرضين، فقد قال الله تعالى موضحًا لنا أهم مبدأ في هذا الصدد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
وأشار فضيلته إلى أنه بناء على هذا المبدأ استخلص علماء السنة الكرام معايير قبول الأخبار والتثبت منها إذا استوفت شروط الصحة، أو ردها وعدم البناء عليها إن كانت بضد ذلك، ويعد ما أنتجوه في هذا الصدد طفرة علمية كبيرة شهد بفضلها على البشرية كبار علماء الغرب من المستشرقين وغيرهم.
وأوضح أن مبدأ التثبت في الآية الكريمة الذي بني عليه هذا المنهج الشريف هو التبين من مصدر الخبر أولًا؛ يعني مدى صدق راويه أو مروِّجه، وثانيًا التبين من غايته ومقصده إصلاحًا كان أو إفسادًا؛ فالخبر الكاذب مرفوض وإن كانت غايته ومقصده في زعم من يروجه غاية صحيحة ومقصدًا نبيلًا، فإن نُبل الغاية لا يبرِّر فساد الوسيلة، فما بالنا وقد اجتمعت لدى هذه الجماعات المتطرفة الإرهابية خستان؛ فساد الغاية وفساد الوسيلة؟
وأشار فضيلته إلى أن الأخبار كذلك قد تكون صادقة لكنها مغرضة أو مشوشة أو مجتزأة أو منتزعة من سياقها وموضوعة في سياق آخر وموظفة في عكس ما قيلت فيه ومن أجله، وكل هذا يؤدي إلى الإفساد في الأرض كما هو مشاهد ومعلوم لدى لجميع.
وأكَّد مفتي الجمهورية أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد حذرنا من قبول وترويج كل ما يلقى إلينا ويقال لنا، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع”، مشددًا على أن هذا الحديث الشريف يدل دلالة واضحة على أن المتساهل في تلقِّي الأخبار والشائعات أيًّا كانت، وأن المجازف بترويجها ونشرها دون تثبت، لا يقل إثمًا وجرمًا عن الذي يختلق الشائعات ويروج الأكاذيب؛ وذلك لخطورة التساهل والتهاون في هذا الشأن، وهذا يدل على منهجية الإسلام الفائقة التي سبقت بها جميع الأمم في مجال تكوين العقول الواعية التي تبني فكرها ومعارفها وعملها على هذا المنهج الإسلامي السديد.
وبيَّن فضيلة المفتي أن من أخطر الآثار المترتبة على تلك الحروب الحديثة هي زعزعة الثقة بين المواطن وبين مؤسسات الدولة التي يتعامل معها المواطن في كافة شؤونه، وإن فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية من شأنه أن يحدث خللًا لدى المواطن في قضية تكوين المرجعيات الدينية والثقافية والعلمية والتعليمية والإعلامية بحيث يكون الأصل عنده أن يستقي المعلومة من غير مصدرها الصحيح، وهنا يقع المواطن دون أن يدري في براثن وشِباك هذه الجماعات الخبيثة التي لا ترتجي له خيرًا ولا نفعًا.
وتابع مفتي الجمهورية: “لقد منَّ الله علينا في دار الإفتاء المصرية من سنوات فوضعنا أيدينا على المشكلة ومكمن الخطر، ووضعنا لها الحلول النظرية العلمية، وطبقناها عمليًّا على أرض الواقع، فأسسنا المراصد التي تتابع هذا الأفكار المتطرفة، ووضعنا البرامج العملية في صور ونماذج مختلفة بلغة وطريقة عصرية تصل بسهولة إلى كل مواطن، بل إلى كل إنسان في المعمورة، عن طريق إنشاء المنصات التعليمية والإعلامية والتوسع في ساعات البث المباشر والتواصل والتفاعل مع الجماهير على أرض الواقع، وتقبل كافة الاستفسارات والأسئلة والرد عليها، وهذا كله فضلًا عن عقد المؤتمرات العالمية التي تُعنى بهذه الشؤون على مستوى العلماء والباحثين والمفكرين وأهل الرأي والنظر”.
وأكد فضيلة المفتي أن من أشد ما اعتنى به فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو يدعو إلى تجديد الخطاب الديني بما يتناسب مع الواقع المعاصر، هو قضية بناء الوعي والعقل الحر المستنير الذي لا يرضى أن يبقى أسيرًا لدى أفكار مغلوطة أو متطرفة، موضحًا أن بناء الوعي بالمنهجية التي دعا إليها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الذي سوف يعيد الثقة بين المواطن والدولة والمؤسسات.
وقال مفتي الجمهورية: “لقد رأينا في كافة المعارك والتحديات أن وعي المواطن المصري كان على قدر التحديات التي تواجه الوطن، فلم ننتصر إلا بالتعاون والتكاتف ولن نبني وطننا ونتقدم به نحو آفاق التنمية والتحديث إلا بذلك”، مؤكدًا أن غاية هذا كله أن نقدم لأجيالنا القادمة دولة حضارية قوية جذورها تمتد في أعماق الحضارة وفروعها بازغة في سماء التقدم والرخاء.
واختتم فضيلة المفتي كلمته بقوله: “هذه هي مصر الجديدة التي يعمل فخامة الرئيس ونعمل جميعًا معه من أجل تشييدها حرة قوية لا تزلزلها الأحداث ولا تؤثر فيها الشائعات، فهي مصر الأزهر والعروبة والحضارة، داعيًا الله تعالى أن يحفظ مصر وشعبها ورئيسها وأزهرها وجيشها.